فصل: تفسير الآية رقم (49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أبو يعلى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وعده الله على عمل ثوابًا فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقابًا فهو بالخيار».
وأخرج الطبراني عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذنب لا يغفر، وذنب لا يترك، وذنب يغفر. فأما الذي لا يغفر فالشرك بالله، وأما الذي يغفر فذنب بينه وبين الله عز وجل، وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضًا».
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وديوان لا يترك الله منه شيئًا، وديوان لا يغفره الله. فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله: {أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} [المائدة: 72] وقال الله: {إن الله لا يغفر أن يُشْرَكَ به}، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئًا فظلم العباد بعضهم بعضًا، القصاص لا محالة».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر».
وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك، ويا عبدي لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي شيئًا لقيتك بقرابها مغفرة».
وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات لا يعدل الله شيئًا ثم كانت عليه من الذنوب مثل الرمال غفر له».
وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة».
وأخرج الطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئًا».
وأخرج أحمد عن سلمة بن نعيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق».
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء. قال فخرجت لأنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال: ارجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها. فرجعت، فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال: صدق عمر».
وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إليّ من حمر النعم وسودها في سورة النساء قوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة...} [النساء: 40] الآية. وقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به...} الآية. وقوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك...} [النساء: 64] الآية وقوله: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه} [النساء: 110] الآية. اهـ.

.تفسير الآية رقم (49):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان في ذلك إشارة إلى أن المرادين بهذه الآيات من أهل الكتاب أضل الناس، وكانوا يقولون: إنهم أهدى الناس؛ عجب منهم منكرًا عليهم بعد افترائهم تزكية أنفسهم فقال: {ألم تر} وأبعدهم بقوله: {إلى الذين يزكون أنفسهم} أي بما ليس لهم من قولهم: {لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة} [البقرة: 80] وقولهم: {لن يدخل الجنة لا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة: 111] وقوله: {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} [آل عمران: 188] {ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلًا عظيمًا} [النساء: 27] فإن إبعاد غيرهم في الميل مصحح لتزكيتهم أنفسهم بالباطل ونحو ذلك مما تقدم وغيره.
ولما كان معنى الإنكار: ليس لهم ذلك لأنهم كذبوا فيه وظلموا، أشار إليه بقوله: {بل الله} أي الذي له صفات الكمال {يزكي من يشاء} أي بما له من العلم التام والقدرة الشاملة والحكمة البالغة والعدل السوي بالثناء عليه وبخلق معاني الخير الظاهرة فيه لتنشأ عنها الأعمال الصالحة، فإذا زكي أحدًا من أصفيائه بشيء كالنبوة، كان له أن يزكي نفسه بذلك حملًا على ما ينفع الناس به عن الله {ولا} أي والحال أن الذين يزكيهم أو يدسيهم لا {يظلمون فتيلًا} أي مقدار ما في شق النواة من ذلك الشيء المفتول، أي قليلًا ولا كثيرًا، لأنه عالم بما يستحقون وهو الحكم العدل الغني عن الظلم، لأن له صفات الكمال. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما هدد اليهود بقوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} فعند هذا قالوا: لسنا من المشركين، بل نحن خواص الله تعالى كما حكى تعالى عنهم انهم قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وحكى عنهم أنهم قالوا: {لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} [البقرة: 80] وحكى أيضا أنهم قالوا: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} [البقرة: 111] وبعضهم كانوا يقولون: أن آباءنا كانوا أنبياء فيشفعون لنا.
وعن ابن عباس رضي الله عنه ان قوما من اليهود أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد هل على هؤلاء ذنب؟ فقال لا، فقالوا: والله ما نحن إلا كهؤلاء: ما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل.
وبالجملة فالقوم كانوا قد بالغوا في تزكية أنفسهم فذكر تعالى في هذه الآية أنه لا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له. اهـ.

.قال القرطبي:

وقال عبد الله بن مسعود: ذلك ثناء بعضهم على بعض.
وهذا أحسن ما قيل؛ فإنه الظاهر من معنى الآية، والتزكية: التطهير والتبرية من الذنوب. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول من قال: معنى تزكية القوم، الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم، وَصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا، وأنهم لله أبناء وأحبّاء، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه. لأن ذلك هو أظهر معانيه، لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها.
وأما الذين قالوا: معنى ذلك: تقديمهم أطفالهم للصلاة، فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ} قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطفالهم فقالوا: يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا فقالوا: والذي يحلف به ما نحن فيه إلا كهيئتهم ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار فهذا الذي زكوا به أنفسهم؛ وأخرج ابن جرير عن الحسن أنها نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وقالوا: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} [البقرة: 111] والمعنى: انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم عليه من الكفر والإثم العظيم، أو من ادعائهم أن الله تعالى يكفر ذنوبهم الليلية والنهارية مع استحالة أن يغفر لكافر شيء من كفره أو معاصيه، وفي معناهم من زكى نفسه وأثنى عليها لغير غرض صحيح كالتحدث بالنعمة ونحوه. اهـ.

.قال الفخر:

التزكية في هذا الموضع عبارة عن مدح الإنسان نفسه، ومنه تزكية المعدل للشاهد، قال تعالى: {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} [النجم: 32] وذلك لأن التزكية متعلقة بالتقوى، والتقوى صفة في الباطن، ولا يعلم حقيقتها إلا الله، فلا جرم لا تصلح التزكية إلا من الله، فلهذا قال تعالى: {بَلِ الله يُزَكّى مَن يَشَاء}.
فإن قيل: أليس أنه صلى الله عليه وسلم قال: «والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض».
قلنا: إنما قال ذلك حين قال المنافقون له: اعدل في القسمة، ولأن الله تعالى لما زكّاه أولا بدلالة المعجزة جاز له ذلك بخلاف غيره. اهـ.

.قال القرطبي:

هذه الآية وقولُه تعالى: {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32] يقتضي الغَضّ من المُزَكّي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزّاكِي المُزَكَّى من حسنت أفعاله وزكّاه الله عز وجل فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له.
وفي صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمّيت ابنتي بَرّةَ؛ فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسمّيت بَرّة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُزكّوا أنفسكم الله أعلم بأهل البِر منكم» فقالوا: بِمَ نسميها؟ فقال: «سمّوها زينب» فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسَه، ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسَهم بالنعوت التي تقتضي التزكية؛ كزكيّ الدين ومُحْيي الدين وما أشبه ذلك، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه الأسماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئًا.
فأما تزكية الغير ومدحُه له؛ ففي البخاريّ من حديث أبي بكرة أن رجلًا ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرًا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَك قطعت عنق صاحبك يقوله مرارًا إن كان أحدكم مادحًا لا محالة فليقل أحسِب كذا وكذا إن كان يَرى أنه كذلك وحَسِيبه الله ولا يزكِّي على اللَّهِ أحدًا» فنهى صلى الله عليه وسلم أن يُفرِطَ في مدح الرجل بما ليس فيه فيدخله في ذلك الإعجاب والكِبْر، ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة فيحمله ذلك على تضييع العمل وترك الازدياد من الفضل؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَك قطعت عنق صاحِبك» وفي الحديث الآخر: «قطعتم ظهر الرجل» حين وصفوه بما ليس فيه.
وعلى هذا تأوّل العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: «احثوا التراب في وجوه المدّاحين» أن المراد به المدّاحون في وجوههم بالباطل وبما ليس فيهم، حتى يجعلوا ذلك بضاعة يستأكلون به الممدوح ويَفتنونه؛ فأما مدح الرجل بما فيه من الفعل الحَسَن والأمر المحمود ليكون منه ترغيبًا له في أمثاله وتحريضًا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمدّاح، وإن كان قد صار مادحًا بما تكلم به من جميل القول فيه.
وهذا راجع إلى النيات {والله يعلم المفسِد من المصلِح} وقد مدح صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يَحْثُ في وجوه المدّاحين التراب، ولا أمر بذلك.
كقول أبي طالب:
وأبيض يُستسقَى الغمامُ بوجهه ** ثِمَال اليتامى عِصْمة للأراملِ

وكمدح العباس وحسّان له في شعرهما، ومدَحه كعب بن زُهير، ومدح هو أيضًا أصحابه فقال: «إنكم لتَقِلون عند الطمع وتَكْثرون عند الفزع» وأما قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث: «لا تُطرُوني كما أطرتِ النصارى عيسى ابن مريم وقولوا: عبد الله ورسوله» فمعناه لا تصفوني بما ليس فيّ من الصفات تلتمسون بذلك مَدْحِي، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه، فنسبوه إلى أنه ابن الله فكفروا بذلك وضلّوا.
وهذا يقتضي أن من رفع امرءا فوق حده وتجاوز مقداره بما ليس فيه فمعْتَد آثم؛ لأن ذلك لو جاز في أحد لكان أولى الخلق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. بتصرف يسير.